بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة على محمد وآله الطاهرين
أين هو الله سبحانه ؟!
لطالما كنت في صغري أجلس قبال السماء الصافية ، أراقب كل ما فيها ، بحيث لا يفوتني طير ولا غيم ولا نجم ولا شمس ولا قمر ، ولساعات طويلة .
ربما تسألني : ولمَ كنت تجلس تتأمل بها ؟! ، ألا كنت تلتهي باللعب كباقي الصغار ؟! .
سؤال وجيه ، لولا أني كنت صغيرا .
أقصد : كنت أتحسس وكأن يدا تأخذ بيدي لتريَني هذا الخلق دون أن أعي لماذا وما الهدف ؟ .
كنت مربكا أمام عظمة السماء ، حتى أنها تغلغلت إلى أحلامي ، فأرى وكأن الكواكب الساحرة والنجوم العظيمة أمامي في السماء دون حجب البعد والمسافات ، تماما كالشمس والقمر .
ولا أخفي أنني أثناء تلك اللحظات الساحرة كان يراودني سؤال : أين هو الله سبحانه ؟! .
فمثلا لو رأيت اختراعا عجيبا مبدعا لم يُرَ له مثيل ألا يراودك سؤال من هو صاحب هذا الاختراع ؟.
ولكن .. كان يردعني تفسير لآية عظيمة في كتاب الله عزوجل : (إلى ربك المنتهى) أنه إذا وصل التفكير إلى الرب عزوجل فانتهِ عن مداومة التفكر وإلا قادك إلى الكفر .
هذا المقدار من الردع ما كان ليروي غليلي تماما ، فالسؤال وإن كان من جهة ممنوعا ، إلا أنه من جهة أخرى أراه مشروعا .
فبدل قولي : ما هو الله عزوجل ؟ ، أقول : لم لا أستطيع أن اسأل أين الله عزوجل ؟ .
وبكلمة أخرى : الممنوع التفكر في ذات الله عزوجل ، تقول الإنسان حيوان ناطق ، لكن لا تستطيع أن تفرض جوابا مفاده : أن الله عزوجل كذا وكذا .
هذا شيء ، وأنْ أقول : ما الدليل على عدم إمكانية أن أحاكم موضوع الربوبية بحظوظ البشرية ، أي بضوابط عالمنا ، شيء آخر .
والجواب عن ذلك سهل للغاية ، ويتطلب التدرج بالتفكير :
السؤال : ماذا يعني : " أين " " ومتى " ؟ .
الجواب : معناهما المكان والزمان .
السؤال : هل هما مخلوقان أم لا ؟ .
الجواب : مخلوقان ، لأن كل شيء ما خلا الله عزوجل مخلوق ضعيف .
أي إن الزمان ناتج عن حركة الكواكب المعينة ، والتي بدورها مخلوقات ، فهي محدودة بحدود خِلقتها وضعفها ، والنتيجة : الزمان مخلوق ، ومنه تعرف أيضا أن المكان هو صنع الله الذي اتقن ، فيكون مخلوقا أيضا .
السؤال : هل يمكن أن يكون الله عزوجل في ضمن مخلوق ضعيف هو نفسه تعالى قد خلقه ؟ .
هنا النتيجة التي تحل الأزمة : أن الزمان "أين " والمكان "متى " مخلوقان لله تعالى = أنهما أضعف من أن يسيطرا على ماهية الرب تعالى ، أي بحدود الطول والعرض والارتفاع ، بمعنى أنه يؤسر في مكان وزمن معين تعالى الله عن ذلك كله .
وبعبارة أخرى : إما أن يحوطهما الله عزوجل فهو غيرهما ، وليس في ماهيته ما يخضع لشروطهما ، وإما أن يحوطانه ويضعفانه عن الخروج من المكانية والزمانية .
والأول صحيح والثاني باطل .
وبذلك تعرف أن سؤال : أين الله عزوجل ، مغالطة ، أي يعتمد على مقدمة فاسدة وهي "أن الله عزوجل لابد أن يؤسر في إطار الزمان والمكان" تجعلك تتوهم أنه مثلنا يحتاج إلى المكان والزمان ، وعندما لا تجد جوابا إما أن تنكر وجوده والعياذ بالله أو تتخبط في ظلمات الريبة ، وقد تبين لك ضعف هذه المقدمة فلا تغفل .
كأن تقول : كل إنسان حجر
وزيد إنسان .
فزيد حجر .
النتيجة بالقياس المنطقي صحيحة إلا أنها واقعا باطلة ، وذلك لأن مقدمتها فاسدة وهي كل إنسان حجر ، فتنبه ، فالمقام شبيه بذلك .
وآخر دعواننا أن الحمد لله رب العالمين وسلام على محمد وآله الطاهرين .