الفصل الثاني
في بعثته إلى قومه و قصة الطوفان
اعلم أن الله سبحانه كرر قصة نوح (عليه السلام) في كثير من سور القرآن قال الطبرسي طاب ثراه و هو نوح بن متوشلخ بن أخنوخ و هو إدريس (عليه السلام) و هو أول نبي بعد إدريس و قيل إنه كان نجارا و ولد في العام الذي مات فيه آدم (عليه السلام) و بعث و هو ابن أربعمائة سنة و كان يدعو قومه ليلا و نهارا فلم يزدهم دعاؤه إلا فرارا و كان يضربه قومه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون و كانوا يثورون إلى نوح (عليه السلام) فيضربونه حتى تسيل مسامعه دما و حتى لا يعقل شيئا مما صنع به فيحمل فيرمى في بيت أو على باب داره مغشيا عليه فأوحى الله تعالى إليه أن لن يؤمن قومك إلا من آمن فعندها أقبل على الدعاء عليهم فقال رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً فأعقم الله أصلاب الرجال و أرحام النساء فلبثوا أربعين سنة لا يولد لهم و قحطوا في تلك الأربعين سنة حتى هلكت أموالهم و أصابهم الجهد و البلاء ثم قال لهم نوح اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً ... الآيات فلم يؤمنوا وَ قالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ... الآيات حتى أغرقهم الله تعالى و آلهتهم التي كانوا يعبدونها فلما كان بعد خروج نوح (عليه السلام) من السفينة و عبد الناس الأصنام سموا أصنامهم بأسماء أصنام قوم نوح فاتخذ أهل اليمين يغوث و يعوق و أهل دومة الجندل صنما سموه ودا و اتخذت حمير صنما سمته نسرا و هذيل سموه سواعا فلم يزل يعبدونها حتى جاء الإسلام .
و روي أن الله تعالى لم يرحم قوم نوح (عليه السلام) في عذابهم .
و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : لما فار التنور و كثر الماء في السكك خشيت أم صبي عليه و كانت تحبه حبا شديدا فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه فلما بلغها الماء عرجت به حتى بلغت ثلثيه فما بلغها الماء حتى استوت على الجبل فلما بلغ الماء
[72]
رقبتها رفعته بيديها حتى ذهب بها الماء فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أم الصبي و أما امرأة نوح فقال الله فيها و في امرأة لوط كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما .
قال ابن عباس : كانت امرأة نوح كافرة تقول للناس إنه مجنون و إذا آمن أحد بنوح أخبرت الجبابرة من قوم نوح به و كانت امرأة لوط تدل على أضيافه و كان ذلك خيانتهما لهما و ما بغت امرأة نبي قط و إنما كانت خيانتهما في الدين.
قال السدي : كانت خيانتهما أنهما كانتا كافرتين .
و قيل : كانتا منافقتين. و قال الضحاك خيانتهما النميمة إذ أوحى الله إليهما أفشتاه إلى المشركين و اسم امرأة نوح واغلة و اسم امرأة لوط واهلة و قال مقاتل والفة و واهلة .
و في تفسير علي بن إبراهيم كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما و الله ما عنى بقوله فَخانَتاهُما إلا الفاحشة .
أقول : ينبغي حمل الفاحشة هنا على معناها اللغوي و هو ما تفاحش قبحه و لا قبح أكبر من الكفر و النفاق .
و فيه أيضا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : بقي نوح (عليه السلام) في قومه ثلاثمائة سنة يدعوهم إلى الله فلم يجيبوه فهم أن يدعو عليهم عند طلوع الشمس فوافاه اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الدنيا و هم العظماء من الملائكة قالوا له نسألك أن لا تدعو على قومك قال نوح قد أجلتهم ثلاثمائة سنة فلما أتى عليهم ستمائة سنة و لم يؤمنوا هم أن يدعو عليهم فوافاه اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الثانية فقالوا نسألك أن لا تدعو على قومك فقال نوح قد أجلتهم ثلاثمائة سنة فلما أتى عليهم تسعمائة سنة و لم يؤمنوا هم أن يدعو عليهم فأنزل الله عز و جل أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فقال نوح (عليه السلام) رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً فأمره الله عز و جل أن يغرس النخل فكان قومه يسخرون به و يقولون شيخ يغرس النخل فلما أتى لذلك خمسون سنة و بلغ النخل أمره الله أن ينحت السفينة و أمر جبرئيل (عليه السلام) أن يعلمه فقدر طولها في الأرض ألفا و مائتي ذراع و عرضها ثمانمائة ذراع و طولها في السماء ثمانون ذراعا فقال يا رب من يعينني على اتخاذها فأوحى الله إليه ناد في قومك من أعانني عليها و نجر منها شيئا صار ما ينجره ذهبا و فضة
[73]
فنادى نوح فيهم بذلك فأعانوه عليه و كانوا يسخرون منه و يقولون يتخذ سفينة في البر .
و عنه (عليه السلام) : لما أراد الله عز و جل إهلاك قوم نوح (عليه السلام) عقم أرحام النساء أربعين عاما لم يولد فيهم مولود فلما فرغ من اتخاذ السفينة أمره الله تعالى أن ينادي فيهم بالسريانية لا يبقى بهيمة و لا حيوان إلا حضر فأدخل من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين في السفينة و كان الذين آمنوا به من جميع الدنيا ثمانون رجلا فقال الله تعالى احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ و كان نجر السفينة في مسجد الكوفة فلما كان اليوم الذي أراد الله إهلاكهم كانت امرأة نوح تخبز في الموضع الذي يعرف بفار التنور في مسجد الكوفة و قد كان نوح (عليه السلام) اتخذ لكل ضرب من أجناس الحيوان موضعا في السفينة و جمع لهم ما يحتاجون إليه من الغذاء و صاحت امرأته لما فار التنور فجاء نوح إلى التنور فوضع طينا و ختمه حتى أدخل جميع الحيوانات في السفينة ثم جاء إلى التنور و فض الخاتم و رفع الطين و انكسفت الشمس و نزل من السماء ماء منهمر صب بلا قطر و تفجرت الأرض عيونا فقال الله عز و جل اركبوا فيها فدارت السفينة و نظر نوح (عليه السلام) إلى ابنه يقع و يقوم فقال له يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَ لا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ فقال ابنه سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ فقال نوح لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ الله ثم قال نوح رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ فقال يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ وَ حالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ فدارت السفينة و ضربتها الأمواج حتى وافت مكة و طافت في البيت و غرق جميع الدنيا إلا موضع البيت و إنما سمي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق فبقي الماء ينصب من السماء أربعين صباحا و من الأرض العيون حتى ارتفعت السفينة فمست السماء فرفع نوح يده و قال يا رهمان أتقن و تفسيرها يا رب أحسن فأمر الله الأرض أن تبلع ماءها فأراد ماء السماء أن يدخل في الأرض فامتنعت الأرض من قبوله و قالت إنما أمرني أن أبلع مائي فبقي ماء السماء على وجه الأرض و استوت السفينة على جبل الجودي و هو بالموصل جبل عظيم فبعث الله جبرئيل (عليه السلام) فساق الماء إلى البحار حول الدنيا و أنزل الله على نوح يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَ بَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَ عَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَ أُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ فنزل نوح (عليه السلام) بالموصل من السفينة مع الثمانين و بنوا مدينة الثمانين و كانت لنوح بنت ركبت معه السفينة فتناسل الناس منها و ذلك
[74]
قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نوح أحد الأبوين انتهى ملخصا .
أقول : قوله تعالى إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ قيل فيه أقوال أحدها أنه كان ابنه لصلبه و المعنى أنه ليس من أهلك الذين وعدتك نجاتهم معك لأن الله تعالى قد استثنى من أهله الذين وعده أن ينجيهم ممن أراد إهلاكهم بالغرق فقال إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ عن ابن عباس .
و ثانيها أن المراد بقوله إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ليس على دينك فكان كفره أخرجه عن أن يكون له أحكام أهله و هذا كما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سلمان منا أهل البيت و إنما أراد على ديننا و يؤيد هذا التأويل أن الله سبحانه قال على طريق التعليل إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فبين أنه إنما أخرج عن أحكام أهله لكفره و شر عمله .
و ثالثها أنه لم يكن ابنه حقيقة و إنما ولد على فراشه فقال (عليه السلام) إنه ابنه على ظاهر الأمر فأعلمه الله أن الأمر بخلاف الظاهر و نبهه على خيانة امرأته عن الحسن و مجاهد و هذا الوجه بعيد من حيث إن فيه منافاة للقرآن لأنه تعالى قال وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ و لأن الأنبياء يجب أن ينزهوا عن مثل هذا الحال لأنها تعيير و تشيين و قد نزه الله أنبياءه عما دون ذلك .
و رابعها أنه كان ابن امرأته و كان ربيبه و يعضده قراءة من قرأ بفتح الهاء و حذف الألف و إثباته لفظا و المعتمد المعول عليه في تأويل الآية القولان الأولان .
و عن أبي جعفر (عليه السلام) : قال كان قوم مؤمنون قبل نوح (عليه السلام) فماتوا فحزن عليهم الناس فجاء إبليس فاتخذ لهم صورهم ليأنسوا بها فأنسوا بها فلما جاء الشتاء أدخلوهم البيوت فمضى ذلك القرن و جاء القرن الآخر فجاءهم إبليس فقال لهم إن هؤلاء آلهة كان آباؤكم يعبدونها فعبدوهم و ضل منهم كثير فدعا عليهم نوح فأهلكهم الله.
و في مناقب ابن شهر شهرآشوب عن الأزدي قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ أي ابنها و هي لغة طيء.
أقول : هذه القراءة بفتح الهاء و حذف الألف و هي لغة طيء و نسبها القراء و المفسرون إلى أهل البيت (عليه السلام) يعني ابن امرأته .
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) : قال إن نوحا لما كان أيام الطوفان دعا مياه الأرض فأجابته إلا المر و الكبريت .
و عنه (عليه السلام) : لما هبط نوح (عليه السلام) من السفينة أتاه إبليس
[75]
فقال له ما في الأرض رجل أعظم منه علي منك دعوت الله على هؤلاء الفساق فأرحتني منهم أ لا أعلمك خصلتين إياك و الحسد فهو الذي عمل بي و إياك و الحرص فهو الذي عمل بآدم ما عمل و في حديث آخر قال له جزاء هذه المنة اذكرني في ثلاثة مواطن فإني أقرب ما يكون إلى العبد إذا كان في إحداهن اذكرني إذا غضبت و اذكرني إذا حكمت بين اثنين و اذكرني إذا كنت مع امرأة خليا ليس معكما أحد .
عيون أخبار الرضا (عليه السلام) سأل الشامي أمير المؤمنين (عليه السلام) عن قول الله عز و جل يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ وَ صاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ من هم فقال (عليه السلام) : قابيل يفر من هابيل و الذي يفر من أمه موسى و الذي يفر من أبيه إبراهيم و الذي يفر من صاحبته لوط و الذي يفر من ابنه نوح يفر من ابنه كنعان .
علل الشرائع عن وهب مسندا : قال أهل الكتاب يقولون إن إبليس عمر زمان الغرق كله في الجو الأعلى يطير بين السماء و الأرض بالذي أعطاه الله من القوة و الحيلة و عمرت جنوده في ذلك الزمان تطفو فوق السماء و تحولت الجن أرواحا تهب فوق الماء و بذلك توصف خلقتها أنها تهوي هوي الريح إنما سمي طوفان لأن الماء طفا فوق كل شيء فلما هبط نوح (عليه السلام) من السفينة أوحى الله عز و جل إليه يا نوح أني خلقت خلقي لعبادتي و أمرتهم بطاعتي و قد عصوني و عبدوا غيري و استوجبوا بذلك غضبي فغرقتهم و أني قد جعلت قوسي أمانا لعبادي و بلادي و موثقا مني بيني و بين خلقي يأمنون به إلى يوم القيامة من الغرق و من أوفى بعهده مني ففرح نوح (عليه السلام) بذلك و تباشر و كانت القوس فيها سهم و وتر فنزع الله عز و جل السهم و الوتر من القوس و جعلها أمانا لعباده من الغرق .
أقول : جاء في الحديث عن الصادق (عليه السلام) أن هذا القوس ظهر في السماء بعد الغرق أمانا منه لمن بقي إلى يوم القيامة .
و قال (عليه السلام) : لا تقولوا قوس قزح فإن قزح اسم الشيطان و لكن قولوا قوس الله و إن هذه المجرة التي في السماء و يسمونها مجر الكبش موضع انفطار السماء للماء لأنه لم ينزل قطرات و إنما نزل دفعا فلما التأمت السماوات بقي أثره كالجرح المندمل يبقى أثره في البدن .
عيون أخبار الرضا (عليه السلام) قال الوشاء : قال لي كيف تقرءون قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فقلت من الناس من يقرأ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ
[76]
صالِحٍ نفاه عن أبيه فقال (عليه السلام) كلا لقد كان ابنه و لكن لما عصى الله عز و جل نفاه عن أبيه .
أقول : هاهنا قراءتان في المتواتر فالأكثر على الفعل الماضي و ما بعده منصوب على المفعولية يعني أن أعماله غير صالحة و قراءة الكسائي و يعقوب و سهل على المصدرية و ما بعده صفة له و أولوه على أنه تولد من الخيانة و حينئذ فقوله (عليه السلام) كلا يجوز أن يكون ردا للتأويل لا للقراءة يعني أن تأويلهم باطل لأن نفيه عنه باعتبار الدين و العمل و يجوز أن يكون نفيا للقراءة يعني أنها قراءة باطلة لم ينزل بها جبرئيل (عليه السلام) .
و فيه تأييد لما حررناه في مواضع من كتبنا من القدح في تواتر القراءات السبع و أنها إن ثبت تواترها فإنما هو عن القراء السبعة لا عن صاحب الوحي (صلى الله عليه وآله وسلم) و ذلك أن القراء في كثير من الموارد إذا ذكروا قراءة يقولون قرأ فلان كذا فيجعلون قراءة القرآن تسمية لقراءتهم (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد فصلنا الكلام في هذا المقام في شرحنا على تهذيب الحديث بما لا مزيد عليه.
و فيه عنه (عليه السلام) : قال سأل الشامي أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال ما بال الماعز مرفوعة الذنب بادية الحياء و العورة فقال لأن الماعز عصت نوحا (عليه السلام) لما أدخلها السفينة فدفعها فكسر ذنبها و النعجة مستورة الحياء و العورة لأن النعجة بادرت بالدخول إلى السفينة فمسح نوح (عليه السلام) يده على حيائها و ذنبها فاستوت الألية .
علل الشرائع عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إن النجف كان جبلا و هو الذي قال ابن نوح سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ و لم يكن على وجه الأرض جبل أعظم منه فأوحى الله عز و جل إليه يا جبل أ يعتصم بك مني فتقطع قطعا قطعا إلى بلاد الشام و صار رمادا دقيقا و صار بعد ذلك بحرا عظيما و كان يسمى ذلك البحر ببحر ني ثم جف بعد ذلك و قيل ني جف فسمي نجف ثم صار بعد ذلك يسمونه نجف لأنه كان أخف على ألسنتهم .
و فيه : أنه لما ركب نوح (عليه السلام) في السفينة ألقى الله عز و جل السكينة على ما فيها من الدواب و الطير و الوحش فلم يكن شيء فيها يضر شيئا كانت الشاة تحتك بالذئب و البقرة تحتك بالأسد و أذهب الله حمة كل ذي حمة فلم يزالوا كذلك في السفينة حتى خرجوا منها و كان الفأر قد كثر في السفينة و العذرة فأوحى الله عز و جل إلى نوح (عليه السلام) أن يمسح الأسد فمسحه فعطس فخرج من منخريه هران ذكر
[77]
و أنثى فخف الفأر و مسح وجه الفيل فعطس فخرج من منخريه خنزيران ذكر و أنثى فخف العذرة .
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : جاء نوح (عليه السلام) إلى الحمار ليدخله السفينة فامتنع عليه و كان إبليس بين أرجل الحمار فقال يا شيطان ادخل فدخل الحمار و دخل الشيطان.
و عنه (عليه السلام) : قال ارتفع الماء زمن نوح (عليه السلام) على كل جبل و على كل سهل خمسة عشر ذراعا .
الفقيه قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) : إن الحيض للنساء نجاسة رماهن الله عز و جل بها و قد كن النساء في زمن نوح (عليه السلام) إنما تحيض المرأة في كل سنة حتى خرجن نسوة من حجابهن و كن سبعمائة امرأة و انطلقن فلبسن المعصفرات من الثياب و تحلين و تعطرن ثم خرجن فتفرقن في البلاد فجلسن مع الرجال و شهدن الأعياد معهم و جلسن في صفوفهم فرماهن الله عز و جل بالحيض عند ذلك في كل شهر يعني أولئك النسوة بأعيانهن فسالت دماؤهن فخرجن من بين الرجال فكن يحضن في كل شهر حيضة فشغلهن الله تعالى بالحيض و كسر شهوتن قال و كان غيرهن من النساء اللواتي لم يفعلن مثل ما فعلن يحضن في كل سنة حيضة قال فتزوج بنو اللائي يحضن في كل شهر بنات اللاتي يحضن في كل سنة حيضة فامتزج القوم فحضن بنات هؤلاء و هؤلاء في كل شهر حيضة و كثر أولاد اللاتي يحضن في كل شهر حيضة لاستقامة الحيض و قل أولاد اللاتي يحضن في السنة حيضة لفساد الدم قال فكثر نسل أولئك .
الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لما أظهر الله نبوة نوح و أيقن الشيعة بالفرج اشتدت البلوى و وثبوا إلى نوح بالضرب المبرح حتى مكث في بعض الأوقات مغشيا عليه ثلاثة أيام يجري الدم من أذنه ثم أفاق و ذلك بعد سنة ثلاثمائة من مبعثه و هو في خلال ذلك يدعوهم ليلا و نهارا فيهربون و يدعوهم سرا فلا يجيبون و يدعوهم علانية فيولون فهم بعد ثلاثمائة سنة بالدعاء عليهم و جلس بعد صلاة الفجر للدعاء فهبط إليه وفد من السماء السابعة و هم ثلاثة أملاك فسلموا عليه ثم قالوا له يا نبي الله حاجتنا أن تؤخر الدعاء على قومك فإنها أول سطوة لله عز و جل في الأرض قال قد أخرت الدعاء عليهم ثلاثمائة سنة أخرى و عاد إليهم فصنع ما كان يصنع و يفعلون ما كانوا يفعلون حتى إذا انقضت ثلاثمائة سنة أخرى و يئس من إيمانهم جلس في وقت
[78]
ضحى النهار للدعاء فهبط إليه وفد من السماء السادسة فسلموا عليه و سألوه مثل ما سأله الوفد الأول فأجابهم مثل ما أجاب أولئك ثم عاد و قومه بالدعاء حتى انقضت ثلاثمائة سنة تتمة تسعمائة سنة فصارت إليه الشيعة و شكوا ما ينالهم من العامة و الطواغيت و سألوه الدعاء بالفرج فأجابهم إلى ذلك و صلى و دعا فهبط جبرئيل (عليه السلام) فقال إن الله تبارك و تعالى قد أجاب دعوتك فقل للشيعة يأكلوا التمر و يغرسوا النوى و يراعوه حتى يثمر فإذا أثمر فرجت عنهم فعرفهم ذلك و استبشروا ففعلوا ذلك و راعوه حتى أثمر ثم سألوه أن ينجز لهم الوعد فسأل الله ذلك فأوحى الله إليه قل لهم كلوا هذا التمر و اغرسوا النوى فإذا أثمرت فرجت عنكم فلما ظنوا أن الخلف قد وقع عليهم ارتد عنهم الثلث و بقي الثلثان فأكلوا التمر و غرسوا النوى حتى إذا أثمر أتوا به نوحا فسألوه أن ينجز لهم الوعد فسأل الله عز و جل عن ذلك فأوحى الله إليهم قل لهم كلوا التمر و اغرسوا النوى فارتد الثلث الآخر و بقي الثلث فأكلوا التمر و غرسوا النوى فلما أثمر أتوا به نوحا (عليه السلام) فأخبروه و قالوا لم يبق منا إلا القليل و نحن نتخوف على أنفسنا بتأخر الفرج أن نهلك فصلى نوح (عليه السلام) فقال يا رب لم يبق من أصحابي إلا هذه العصابة و إني أخاف عليهم الهلاك إن تأخر الفرج فأوحى الله عز و جل إليه قد أجبت دعوتك فاصنع الفلك فكان بين إجابة الدعاء و الطوفان خمسون سنة .
أقول : ورد في سبب التأخير تصفية المؤمنين من الكفار و المنافقين الذين يظهرون الإيمان و يسرون الكفر .
الخرائج عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : لما أراد الله أن يهلك قوم نوح أوحى الله إليه أن شق ألواح الساج فلما شقها لم يدر ما يصنع بها فهبط جبرئيل فأراه هيئة السفينة و معه تابوت به مائة ألف مسمار و تسعة و عشرون ألف مسمار فسمر المسامير كلها السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير فضرب بيده إلى مسمار فأشرق بيده و أضاء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء فتحير نوح فأنطق الله المسمار بلسان طلق ذلق فقال أنا على اسم خير الأنبياء محمد بن عبد الله فهبط جبرئيل (عليه السلام) فقال له يا جبرئيل ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله فقال هذا باسم سيد الأنبياء محمد بن عبد الله اسمره على أولها على جانب السفينة الأيمن ثم ضرب بيده إلى مسمار ثان فأشرق و أنار فقال هذا مسمار أخيه و ابن عمه سيد الأوصياء علي بن أبي طالب فاسمره على جانب السفينة الأيسر في أولها ثم ضرب بيده إلى مسمار ثالث فزهر و أشرق و أنار فقال
[79]
جبرئيل (عليه السلام) هذا مسمار فاطمة فاسمره إلى جانب مسمار أبيها ثم ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر و أنار فقال جبرئيل (عليه السلام) هذا مسمار الحسن فاسمره إلى جانب مسمار أبيه ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس فزهر و أنار و أظهر النداوة فقال جبرئيل (عليه السلام) هذا مسمارالحسين (عليه السلام) فاسمره إلى جانب مسمار أبيه فقال نوح يا جبرئيل ما هذه النداوة فقال هذا الدم فذكر قصة الحسين (عليه السلام) و ما تعمل الأمة به فعلن الله قاتله و ظالمه و خاذله .
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) : أنه قال لبعض غلمانه في شيء جرى لئن انتهيت و إلا ضربتك ضرب الحمار قيل و ما ضرب الحمار قال إن نوحا (عليه السلام) لما أدخل السفينة من كل زوجين اثنين جاء إلى الحمار فأبى أن يدخل فأخذ جريدة من نخل فضربه ضربة واحدة و قال له عبسا شيطانا أي ادخل يا شيطان .
المحاسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لما حسر الماء عن عظام الموتى فرأى ذلك نوح (عليه السلام) فجزع جزعا شديدا فاغتم بذلك فأوحى الله إليه أن كل العنب الأسود ليذهب غمك .
العياشي عن عبد الله العلوي قال : كانت السفينة مطبقة بطبق و كان معه خرزتان تضيء إحداهما بالنهار ضوء الشمس و تضيء إحداهما بالليل ضوء القمر و كانوا يعرفون وقت الصلاة و كان آدم معه في السفينة فلما خرج من السفينة صير قبره تحت المنارة بمسجد منى .
أقول : أكثر الأخبار دالة على أن قبره بالنجف الأشرف ضجيع قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) و قبر نوح (عليه السلام) .
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) : أن مدة لبثهم في السفينة سبعة أيام و لياليها .
و في حديث آخر : مائة و خمسين يوما بلياليها و قيل ستة أشهر .
العياشي عن الأعمش يرفعه إلى علي (عليه السلام) في قوله حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ فقال : أما و الله ما هو تنور الخبز ثم أومأ بيده إلى الشمس فقال طلوعها .
و في تفسير العياشي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : صنعها في مائة سنة ثم أمره أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين الأزواج الثمانية التي خرج بها آدم من الجنة لتكون معيشة لعقب نوح (عليه السلام) في الأرض كما عاشآدم (عليه السلام) فإن الأرض تغرق و ما فيها إلا ما كان معه في السفينة قال فحمل نوح (عليه السلام) في السفينة الأزواج الثمانية التي
[80]
قال الله وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ فكان زوجين من الضأن زوج يربيها الناس و يقومون بأمرها و زوج من الضأن التي تكون في الجبال و هي الوحشية أحل لهم صيدها و من المعز اثنين زوج يربيها الناس و زوج من الظباء و من البقر اثنين زوج يربيه الناس و زوج هو البقر الوحشي و من الإبل زوجين و هو البخاتي و العراب و كل طير وحشي و أنسي ثم غرقت الأرض .
أقول : المفسرون قالوا المراد بالزوجين الصنفان يعني الذكر و الأنثى و ما قاله (عليه السلام) هو الأصوب و الأنسب .
و عنه (عليه السلام) : قال ينبغي لولد الزنى أن لا تجوز شهادته و لا يؤم بالناس لم يحمله نوح في السفينة و قد حمل فيها الكلب و الخنزير.
و عنه (عليه السلام) : في قوله وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ قال آمن معه ثمانية نفر من قومه .
و عنه (عليه السلام) : بأسانيد متعددة في قول الله وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ فقال ليس بابنه إنما هو ابن زوجته على لغة طيء يقولون لابن المرأة ابنه .
و عن أبي الحسن (عليه السلام) : أن الله أوحى إلى الجبال أني واضع سفينة نوح على جبل منكن في الطوفان فتطاولت و شمخت و تواضع جبل بالموصل يقال له الجودي فمرت السفينة تدور في الطوفان على الجبال كلها حتى انتهت إلى الجودي فوقفت عليه فقال نوح بارات قني بارات قني يعني اللهم أصلح اللهم أصلح و في حديث آخر أنه ضرب جؤجؤ السفينة الجبل فخاف عليها فقال يا ماريا أتقن يعني رب أصلح و في حديث آخر أنه قال يا رهمان أتقن و تأويلها رب أحسن .
و عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سأل نوح ربه أن ينزل على قومه العذاب فأوحى الله إليه أن يغرس نواة من النخل فإذا بلغت و أثمرت هلك قومه فغرس نوح النواة و أخبر أصحابه بذلك فلما أثمرت و أطعم أصحابه قالوا له يا نبي الله الوعد الذي وعدتنا فأوحى الله إليه أن يعيد الغرس ثانية حتى إذا بلغ النخل و أثمر فأكل منه نزل عليهم العذاب فأخبر نوح أصحابه بذلك فصاروا ثلاث فرق فرقة ارتدت و فرقة نافقت و فرقة ثبتت مع نوح (عليه السلام) ففعل نوح (عليه السلام) ذلك حتى إذا بلغت النخلة و أثمرت و أكل منها و أطعم أصحابه قالوا يا نبي الله الوعد الذي وعدتنا فدعا نوح ربه فأوحى الله إليه أن يغرس الغرسة الثالثة فإذا بلغ و أثمر أهلك قومه فأخبر أصحابه فافترقوا ثلاث فرق فرقة ارتدت و فرقة نافقت و فرقة ثبتت معه حتى فعل نوح ذلك عشر مرات و فعل الله بأصحابه الذين يبقون معه فيفترقون كل فرقة
[81]
ثلاث فرق على ذلك فلما كان في العاشرة جاء إليه رجل من أصحابه فقال يا نبي الله فعلت بنا ما وعدت أو لم تفعل فأنت صادق نبي مرسل لا نشك فيك و لو فعلت ذلك بنا قال فعند ذلك من قولهم أهلكهم الله لقول نوح و أدخل الخاص معه السفينة فنجاهم الله تعالى و نجى نوحا معهم بعد ما صفوا و ذهب الكدر منهم .
كتاب القصص لمحمد بن جرير الطبري أن الله تعالى أكرم نوحا بطاعته و كان طوله ثلاثمائة و ستين ذراعا بذراع زمانه و كان لباسه الصوف و لباس إدريس قبله الشعر و كان يسكن الجبال و يأكل من نبات الأرض .
و في حديث آخر : أنه كان نجارا فجاءه جبرئيل (عليه السلام) بالرسالة و قد بلغ عمره أربعمائة سنة و ستين سنة فقال له ما بالك معتزلا قال لأن قومي لا يعرفون الله فاعتزلت عنهم فقال جبرئيل (عليه السلام) فجاهدهم فقال نوح (عليه السلام) لا طاقة لي بهم و لو عرفوني لقتلوني فقال له فإن أعطيت القوة كنت تجاهدهم قال وا شوقاه إلى ذلك فقال له نوح من أنت فصاح جبرئيل (عليه السلام) صيحة واحدة فأجابته الملائكة بالتلبية و رجت الأرض و قالت لبيك لبيك يا رسول رب العالمين فبقي نوح مرعوبا فقال له جبرئيل (عليه السلام) أنا صاحب أبويك آدم و إدريس و الرحمن يقرئك السلام و قد أتيتك بالبشارة و هذا ثوب الصبر و ثوب اليقين و ثوب النصرة و ثوب الرسالة و النبوة و آمرك أن تتزوج بعمارة بنت ضمران بن أخنوخ فإنها أول من تؤمن بك فمضى نوح (عليه السلام) يوم عاشوراء إلى قومه و في يده عصا بيضاء و كانت العصا تخبره بما يكن به قومه و كان رؤساؤهم سبعين ألف جبار عند أصنامهم في يوم عيدهم فنادى لا إله إلا الله فارتجت الأصنام و خمدت النيران و أخذهم الخوف و قال الجبارون من هذا فقال نوح أنا عبد الله و ابن عبديه بعثني إليكم رسولا فسمعت عمورة كلام نوح فأمنت به فعاتبها أبوها أ يؤثر فيك قول نوح في يوم واحد و أخاف أن يعرف الملك بك فيقتلك فقالت عمورة يا أبت أين عقلك و حلمك نوح رجل وحيد ضعيف يصيح فيكم تلك الصيحة فيجري عليكم ما يجري فتوعدها فلم ينفع فأشاروا عليه بحبسها و منعها الطعام فحبسها فبقيت في الحبس سنة و هم يسمعون كلامها فأخرجها بعد سنة و قد صار عليها نور عظيم و هي في أحسن حال فتعجبوا من حياتها بغير طعام فسألوها فقالت إنها استغاثت برب نوح و إن نوحا (عليه السلام) كان يحضر عندها بما تحتاج إليه ثم ذكر تزويجه بها و أنها ولدت له سام بن نوح و ذكروا
[82]
أنه كان لنوح امرأتان إحداهما رايعة و هي الكافرة فهلكت و حمل نوح معه في السفينة امرأته المسلمة .
و عن الصادق (عليه السلام) : قال يوم النيروز هو اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح (عليه السلام) على الجودي .
دعوات الراوندي قال لما ركب نوح في السفينة أبى أن يحمل العقرب معه فقالت عاهدتك أن لا ألسع أحدا يقول سلام على محمد و آل محمد و على نوح في العالمين.
و قال علي (عليه السلام) : صلى نبي الله نوح (عليه السلام) و من معه ستة أشهر قعودا لأن السفينة كانت تنكفئ بهم .